هل حقاً نحتاج للصيادلة؟
مع احتقان أزمة نقص الأدوية التي يعاني منها المصريين في الآونة الأخيرة كثر الكلام عن دور الصيادلة و تنافس البعض علي توجيه أصابع الإتهام لهم باعتبارهم سبب الأزمة الرئيسي و مع تردد هذا الكلام علي مسامعي خطر علي بالي هذا السؤال:
“هل حقاً يحتاج المجتمع إلي الصيادلة أم يمكن ببساطة الأستغناء عنهم؟”
يعتقد البعض أن دور الصيدلي دور ثانوي يقتصر فقط علي قراءة الروشتات الطبية و بيع الأدوية للمرضي و بالتالي يمكن لأي شخص يجيد القراءة القيام بهذا الدور بكل سهولة, فهل يا تري الأمر بهذه البساطة؟
تعالوا نتخيل معاً مجتمع بدون صيادلة, كيف سيكون شكله و ما هي المشاكل التي قد يعاني منها؟
أول ما قد نلاحظه في هذا المجتمع أن كل شخص فيه سيصبح هو خبير الأدوية و ستجد الجميع يفتي برأيه في الدواء و العلاج و يكون له وجهة نظره الخاصة به فما هي يا تري المشاكل التي قد تنتج عن هذا الوضع؟
هذه بعض السيناريوهات التي ستحدث بالتأكيد في هذه الحالة فتعالوا نناقشها بالتفصيل:
- سؤال بسيط” كيف أستعمل هذا الدواء”
معظمنا يعرف أن الإجابة غالباً ما تكون تناول قرص واحد ثلاث مرات يومياً بعد الأكل, أليست هذه الطريقة التي نتناول بها كل الأدوية؟
و الحقيقة أن هذا أبعد ما يكون عن الصحة لأن كل دواء له خصائص مميزة و بالتالي فمواعيد تناوله و طريقة أخذه تختلف عن الأدوية الأخري و عدم معرفتك بهذه المعلومات و اتباعها بكل دقة قد يتسبب بكل بساطة في فشل العلاج بالكامل و المثال علي ذلك المضاد الحيوي( أزيثرومايسين كبسول) فهو يجب تناوله قبل الأكل بساعة أو بعده بساعتين و إلا يقل تأثيره العلاج بنسبة كبيرة و قد يفشل العلاج و يتفاقم المرض. - “كتب لي الطبيب عدة أنواع من الحقن كل يوم و لا أريد تحمل ألم الأبر الكثيرة لذا فسأقوم بخلط الأنواع كلها في نفس السرنجة منعاً لأخذ أكثر من حقنة في نفس اليوم, فما رأيك؟”
لو سألت الصيدلي لقال لك أن هذا تصرف خاطئ تماماً لأن خلط الأدوية معاً في نفس السرنجة قد يتسبب في تفاعل بين هذه الأدوية و بالتالي ضياع مفعولها و يستطيع أن يحدد لك الاصناف التي يمكن خلطها بأمان و تلك التي يجب تجنب ذلك معها. - “كتب لي الطبيب دواء ديجوكسين لعلاج القلب و أنا أستعمل أدوية عديدة للمعدة منها كبسولات أوميبرازول لأنها تخفف من حرقان المعدة الذي أشعر به باستمرار و بالتأكيد لا علاقة لدواء القلب بأدوية المعدة, صحيح؟”
و الحقيقة أن هذا افتراض خاطئ لأن تناول هذين الدوائين في نفس الوقت يتسبب في زيادة امتصاص دواء القلب و زيادة تركيزه في الدم و قد يسبب لك أعراض السمية من الجرعة الزائدة و هو أمر في منتهي الخطورة علي صحتك. - ” كتب لي طبيبي دواء مسكن و نصحني “باستعماله عند اللزوم” أي وقت الشعور بالألم, و قد تناولته خمسة مرات اليوم لأن الألم كان شديداً جداً!”
هذا بالطبع تصرف خطير و رغم أن الطبيب كتب الدواء” عند اللزوم” فهناك جرعة قصوي لا يجب تخطيها في اليوم الواحد و عدم معرفتك لهذه الحقيقة قد يسبب لك مضاعفات خطيرة قد تصل للتسمم بالدواء الذي تستعمله. - “طفلي الرضيع يعاني من أعراض البرد و الأنفلونزا و عند زيارة الطبيب كتب لي دواء خافض للحرارة يحتوي علي الباراسيتامول لأنه آمن للرضع و حدد لي الجرعة بدقة. و لما لاحظت أن طفلي لا يستطيع النوع من الرشح قررت أعطائه دواء لعلاج البرد و الرشح حتي يستطيع النوم بسهولة, فهل هناك مشكلة؟”
قد لا تعرفي سيدتي أن معظم أن لم يكن كل أدوية البرد تحتوي علي نفس مادة الباراسيتامول كخافض للحرارة و أن استعمالها في نفس الوقت مع المسكن قد يعرض طفلك لجرعة زائدة قد تسبب له التسمم بالدواء!
هذه فقط بعض الأمثلة البسيطة للدور الحيوي الذي يقوم به الصيدلي كخبير في الدواء و توضع أهمية و خطورة الدور الذي يؤديه حتي و إن لم نشعر به بوضوح.
فغياب الصيدلي عن المجتمع قد يسبب مشاكل كبيرة و آثار كارثية نتيجة الأستعمال الخاطئ للأدوية كما وضح من الأمثلة السابقة و وجوده أمر حيوي مع باقي أعضاء الفريق الطبي في نجاح العلاج و شفاء المريض و تجنب الكثير من المشاكل التي قد تنتج عن الأستعمال الخاطئ للدواء.
فما رأيك الآن عزيزي؟ هل لا زلت تري المجتمع بدون صيادلة؟
صيدلي: ممدوح عز سامي